التعريف بشهداء المنطقة

المجاهد الراحل العقيد '' بن مصطفى بن عودة المدعو عمار''


      ولد بتاريخ 27 سبتمبر 1925م ببلدية عنابة ، حي المدينة القديمة ترعرع بأحضان عائلته المحترمة التي كانت مقيمة في أبسط المنازل الهشة، وأثناء الحقبة التاريخية زاول الشاب بن عودة تعليمه الإبتدائي والإعدادي في مدرسة فرنسية ولم يتمكن من متابعة الدراسة في الأطوار النهائية للأوضاع الإجتماعية القاهرة و المتميزة بعنصرية حاقدة.

      وفي ربيع شبابه تهيكل في الكشافة الجزائرية بفوج المنى بمسقط رأسه وناضل في حزب الشعب الجزائري (P.P.A). وفي عام 1937م، وقع في قبضة العدو بتهمة المشاركة في مسيرة إحتجاجية على إلغاء إعتماء حركة نجم شمال إفريقيا، وأصدر عليه حكما بمدة سنة سجن نافذ وغرامة مالية بقيمة ستين ألف فرنك وإبعاده عن إقامته لمدة خمس سنوات وبعد خروجه من السجن عاد يناضل سرا في مدينة عنابة وضواحيها حيث شارك في مظاهرات 08 ماي1945م، الرهيبة التي خلفت مجازر شعبية فاجعة ، وكذلك أشرف على عدة لقاءات سرية وتجمعات خفية بحضور أعضاء الخلايا القاعدية وذلك في أماكن بعيدة عن أنظار العدو ومعزولة عن مراقبته.

      شارك في المنظمة السرية (لوص) المتولدة عن الحركات الحزبية منذ شهر فيفري من سنة 1947م، بقيادة محمد بلوزداد رحمه الله الذي كان مهتما اهتماما بالغا بتدريب المناضلين على حرب العصابات سعيا واستعداد للعمل الثوري المسلح لمكافحة قوات الإحتلال الطاغية.

      وفي شهر ماي 1950م، وقع المناضل بن عودة في قبضة العدو للمرة الثانية وذلك على إثر إكتشاف أعضاء من المنظمة السرية في مدينة تبسة بالشرق الجزائري وبقي سجينا مع مجموعة من المناضلين إلى غاية هروبه من سجن مدينة عنابة، يوم 21 أفريل 1951م رفقة زملائه زيغود يوسف – بركات سليمان وبكوش عبد الباقي، وظل يتنقل سرا في نواحي عنابة وجبال الأوراس –سكيكدة-ميلة-قسنطينة والجزائرالعاصمة، واتصالاته الأولى كانت مع المناضل راشدي محمود المدعو العلاوي القاطن في مرتفعات جبال إيدوغ المطلة على السهل الغربي لمدينة عنابة وبنى مخبأ في منزل المناضل محمود العلاوي وذلك لتخزين الأسلحة والذخيرة الحربية، لكن في بدء ثورة الفاتح نوفمبر 54 كشفها العدو ووجد فيها 36 قنبلة من الصنع المحلي وأبطل مفعولها ثم ألقي القبض على صاحب المنزل وأفراد عائلته وزج بهم في السجن حيث تعرضوا إلى أبشع التعذيب وخاصة المناضل راشدي محمد بن محمود الذي بقي سجينا إلى غاية إستشهاده داخل السجن.

      في سنة 1962م، إلتحق بأشقائه أبوبكر وحسان اللذان نالا الشهادة في ميدان الشرف وأثناء هذه المرحلة تمكن العقيد بن عودة من المشاركة في عدة لقاءات مع جماعة من المناضلين الذين قاموا بتأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل في شهر مارس 1954م، بهدف توحيد صفوف المناضلين وشارك أيضا في اجتماع مجموعة 22 المنعقد يوم 25 جويلية 1954م، في منزل المناضل دريش إلياس بالمرادية الجزائر العاصمة، هذا الإجتماع التاريخي الذي انبثقت عنه مبادئ وأهداف ثورة أول نوفمبر 1954م المجيدة.

      تولى بن عودة قيادة ناحية جبال إيدوغ وأرياف عنابة وقالمة وكانت مجموعات من أعضاء جيش التحرير الوطني المتنقلة في هذه الناحية تدعى جيش بن عودة الذي أشرف أيضا على تنظيم خلايا من الفدائيين داخل المدن والقرى وقام بعدة عمليات قتالية استهدفت مواقع ومعسكرات العدو أسفرت عن خسائر معتبرة في صفوف قوات الإحتلال الفرنسي وشارك القائد بن عودة في تنظيم هجوم 20 أوت 1955م، بمدينة سكيكدة وضواحيها، وشارك كذلك العقيد بن عودة في مؤتمر الصومام المنعقد في 20 أوت 1956م، بناحية بجاية الذي انبثقت عنه لجنة التنسيق والتنفيذ والمجلس الوطني للثورة الجزائرية وترقية المناطق الثورية إلى ولايات تاريخية وإضافة السادسة في المناطق الصحراوية.

      وفي أواخر سنة 1956م هاجر إلى القاعدة الشرقية وبقي وراء الحدود الجزائرية إلى غاية تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. في 19 سبتمبر 1958م، أسندت له مهام سياسية جال من خلالها في القاهرة ولبنان وعدة دول شقيقة وصديقة بالشرق الأوسط، ثم عاد إلى تونس حيث كان بين أعضاء الوفد الجزائري بقيادة كريم بلقاسم رحمه الله الذي تفاوض أخيرا في مدينة إفيان السويسرية مع الوفد الفرنسي برئاسة ''لوي جوكس''، اللذان اتفقا على توقيف العنف والقتال إبتداء من يوم 19 مارس 1962م، والدخول في مرحلة انتقالية مفادها تقرير المصير والإستفتاء في أول جويلية 1962م، على إعادة السيادة الوطنية للشعب الجزائري التي أشرقت شمسها يوم 05 جويلية من نفس التاريخ.

      وفي عهد الإستقلال تقلد عدة مهام في الحزب والدولة نذكر منها ملحق عسكري في مصر وفرنسا وفي سنة 1979م سفير معتمد في ليبيا، وتولى في المعتمر الرابع لحزب جبهة التحرير الوطني عين رئيسا للجنة الإنضباط بالحزب وآخر منصب سياسي شغله بن عودة هو رئيس مجلس الإستحقاق الوطني.

      وفي آخر فترة من حياته مكث في منزله عدة سنوات مصابا بأمراض مزمنة أدت بوفاته يوم 05 فيفري 2018م، وذلك في مستشفى بروكسيل –بلجيكا- ولما عاد إلى مسقط رأسه شيع جثمانه في موكب جنائزي رهيب ودفن في مقبرة زغوان بعنابة